الأربعاء، 2 يناير 2013

التطور الاقتصادي في مرحلة الثورة الصناعية

عبد الرازق محمد صالح الساعدي


التطور الاقتصادي في مرحلة الثورة الصناعية

مرت على الانسانية تغيرات متعددة منذ القدم, تغيرات عديدة ساعدتها على بلوغ بعض التطور في نمط معيشتها الذاتية والانتقال الى طور جديد, ولو درسنا تلك التغيرات فسوف نجد العلامات المتغيرة التالية:
1-    اكتشاف النار
2-    اكتشاف الزراعة
3-    وضع النظام الدستوري والقانوني
4-    بناء المدن والمدارس
5-    تعلم الحرف اليدوية
6-    ايجاد النقود السلعية الثالثة في التداول
7-    الاكتشافات الجغرافية والصيغة الاستعمارية
8-    نمو وتائر المبادلات التجارية الدولية
وعليه فالثورة الصناعية هي جزء من تلك المتغيرات في حياة البشرية, اذن ماهي الثورة مفهوما؟
الثورة مصطلح يستخدم في سياقات ومعاني عديدة, اذ قد يكون اشارة الى تغيرات جذرية واساسية في حقل من حقول العلم, او قد يكون اشارة الى تحولات رئيسية في البنى الاجتماعية والسياسية, وغالبا مايشير مفهوم الثورة الى تغيرات تحدث عن طريق العنف والانقلاب في شكل حكومة ما.
تتخذ التغيرات السياسية التي تنتج عن قيام الثورات أشكالا واتجاهات مختلفة, فالثورات الفرنسية والروسية والصينية قد احدثت تغيرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية والاقتصادية.
والثورة الفرنسية عام 1789 على سبيل المثال قد انهت حكم الملك لويس السادس عشر وحولت الحكم الى نظام جمهوري ورفعت شعارات الحرية والاخاء والمساواة.
والثورة الروسية البلشفية عام 1917 التي لم تكتف بعزل القيصر, بل عملت على احداث تغيرات اجتماعية وسياسية, كالغاء الملكية الفردية سعيا لتطبيق الاشتراكية طريقا للرفاهية الاجتماعية.
وقامت الشيوعية الصينية الماوية عام 1949 بانتزاع الاراضي من الاقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين, وحققت مجانية التعليم والعلاج.
وعلى صعيد الثورات العلمية, فانها لاتؤدي الى تغيرات سياسية مباشرة ولكنها تحقق بشكل تراكمي انتقال المجتمع من حالة الى حالة اخرى.
فالثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلاديين قد غيرت الطبيعة الاساسية للمجتمع الاوروبي من الحياة الريفية الى الحياة المدنية, وكذلك ادى اختراع الاجهزة الالكترونية للاتصالات والتطورات الاخرى في مجالات التقنية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الميلاديين الى احداث ثورات في مجال الصناعة والحياة اليومية للمجتمعات, من هنا فان المقصود بالثورة الصناعية ( Industrial Revolution ) هي التطورات الكبيرة التي طرأت على الصناعة بادئ الامر في انكلترا منذ منتصف القرن الثامن عشر والتي ادت الى تغيير كبير في تركيب الصناعة وتحقيق زيادة هائلة في الانتاج, فظهرت المخترعات العديدة في هذا المجال وعلى الاخص في صناعات الغزل والنسيج وتعدين الفحم وتوليد القوى المحركة وصناعة الحديد, ترتب على كل ذلك الزيادة المذهلة في كل من الانتاج وتكوين رؤوس الاموال.
كما أدت هذه الثورة الى تغيير جذري في تقانات الانتاج من حيث الاستعاضة عن العمل اليدوي بالعمل الالي / الميكانيكي, ومن ثم الانتقال الى نظام الانتاج في المشاغل   manufacturs الى نظام الانتاج في المعامل  industrial firm , او الانتقال من الآلآت اليدوية الى الصناعة الآلية الكبيرة القائمة على الآلآت المتطورة, وبذلك فقد اعلنت الآلة, الثورة الصناعية وأخذ النظام الآلي في الانتاج يعمل بشكل مستمر على تخفيض حجم العمل اليدوي واحلال ادوات مادية آلية محل يد الانسان.
كانت الثورة الصناعية من اهم العوامل التي ادت الى اضمحلال النظام الاقطاعي, ويتفق الاقتصاديون في اطلاق تسمية الثورة الصناعية على التغيرات الهائلة التي حدثت في الهيكل الصناعي لانكلترا في الفترة من عام 1760م حتى عام 1830م.
فالواقع ان المخترعات العظيمة التي ظهرت في فروع الصناعة المختلفة, وخاصة صناعة الغزل والنسيج التي كان لها الاثر البارز في قيام الثورة الصناعية في انكلترا, فقد كانت هذه الصناعة ناشئة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر, غير انها شهدت ازدهارا مطردا مع ادخال آلات جديدة الى صناعة الغزل والنسيج. كذلك تغيرت الصناعات التعدينية في انكلترا في اثناء الثورة الصناعية تغيرا جذريا وخاصة بعد اكتشاف فحم الكوك وصناعة الافران. كذلك كان لاختراع الآلة البخارية وقع عظيم على الاقتصاد, اذ قلب ميزان القوى الاقتصادية وفتح الطريق الى استغلال قوى الطبيعة واخضاعها بفضل جهود الانسان لخدمة اهدافه وحاجاته.
ولايعني تحديد عام 1760م بالذات بداية للثورة الصناعية, حيث لم يكن هناك تقدم فني في طرق الانتاج الصناعي ووسائله قبل هذا التاريخ, فمنذ ان اصبحت الصناعة حرفة مستقلة في القرن الثاني عشر الميلادي, حدث تقدم ملموس في طرق الصناعة ولكن هذا التقدم كان بطيئا, اذ استغرق ستة قرون من الزمان , بعكس ماحدث خلال الفترة من 1760 الى 1830م, اذ كان التقدم سريعا لدرجة مذهلة.[1]   
كان التقدم البطيء في الثورة الصناعة الاوروبية قبل الثورة الصناعية يلاقي بالعقبات والصعوبات وعدم القبول العام من الناحية الاخرى, فلقد كانت كل من الحكومة والافراد يحولون دون تحقيق التطور والتقدم في الصناعة وذلك خشية ان يؤدي ذلك الى احداث البطالة وما يستتبع ذلك من نقص في دخول الافراد, فكثيرا ما منع الحكام استخدام الآلآت في الصناعة وكثيرا ما اعدم المخترعون حتى لاتؤدي اختراعاتهم الى جلب الهموم والمشاكل الى المجتمع, ولعل السبب في ذلك يرجع الى ان اقتصاد اوروبا كان ساكنا, فعدد السكان لايتزايد بسرعة كما ان الطلب على السلع لم يكن متزايدا, ولذلك فزيادة الانتاج نتيجة اكتشاف المخترعات لابد ان يؤدي الى توفير بعض العمال, فتنتشر البطالة والفقر.[2]
لكن هذا الوضع تغير نتيجة لتغير الظروف الاقتصادية أثناء القرن الثامن عشر حيث بدأت معدلات النمو السكاني تميل الى الزيادة, كذلك اتسع نطاق التبادل في الداخل والخارج وهذا دعى الى ضرورة زيادة الانتاج, لذلك رحبت الحكومات والهيئات المختلفة بالمخترعات الحديثة وشجعتها بمختلف الوسائل, وهذا هيأ البيئة نحو تغير شامل في الصناعة.[3]
ومن جهة اخرى لايعني عام 1830م نهاية التقدم الفني في طرق الانتاج الصناعي ووسائله, ولكنه يعني فقط نهاية الفترة التي شهدت التغيرات الكبيرة في الهيكل الصناعي بانكلترا وما ترتب عليها من نتائج بالغة الاهمية, فالتقدم الفني سيظل مستمرا حتى يرث الله الارض ومن عليها, ونذكر في هذا المجال التغير الكبير في طرق الانتاج الصناعي ووسائله في الدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة الامريكية, والاتحاد السوفيتي,  والمانيا الغربية, وانكلترا, وفرنسا .. الخ, الذي حدث في عام 1950م, فمنذ ذلك التاريخ أدخل نظام الآلية, اذ اصبحت الآلآت تدار اوتوماتيكيا اي دون الحاجة الى العمال, الا في بعض العمليات الخاصة, لقد كان هذا التطور هائلا لدرجة ان البعض اطلق عليه تسمية ( الثورة الصناعية الثالثة ).[4]  
وللالمام ببعض الجوانب للثورة الصناعية ينبغي دراسة النقاط التالية :


 - لطفي, علي. د – التطور الاقتصادي – دراسة تحليلية لتاريخ اوروبا ومصر – مكتبة عين شمس – القاهرة 1984[1]
 - عجمية, عبد العزيز, د – التطور الاقتصادي في اوروبا والعالم العربي- الدار الجامعية –بيروت – 1988 ص 49 [2]
 - نفس المصدر – ( د. عبد العزيز عجمية )[3]
 - مصدر سابق – (د. علي لطفي )[4]
 

ليست هناك تعليقات: