اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطاهر احمد محمد علي مشاهدة المشاركة

نشأة مملكة ودّاي الإسلامية (1615 – 1909)
مؤتمر الإسلام في إفريقيا / نوفمبر 2006م
الكاتب: أ. الصادق أحمد آدم
مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد ...
فقد كانت الممالك الإسلامية في إفريقيا عامة وإفريقيا جنوب الصحراء خاصة ذات اثر بالغ الأهمية والتقدير في نشر الحضارة الإسلامية ، فنشأت في هذه الممالك أنماط من القيم الإسلامية الحضارية في تدبير شؤون الممالك والحكم والإدارة على أنبل أسلوب لم تشهدها إفريقيا جنوب الصحراء قبل دخول الإسلام إليها.
فكان المسلمون في إفريقيا جنوب الصحراء هم الجماعات المستنيرة المتحضرة قبل مجيء الاستعمار الأوروبي الغاشم المغتصب لأراضي الغير في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي .
فبدأ انتشار الإسلام في ربوع القارة الإفريقية منذ القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) ومن ثمًّ دخل الإسلام إلى الممالك الإفريقية الموجودة في غرب ووسط وشرق إفريقيا فتأثرت به وتحولت من ممالك غير إسلامية إلى ممالك إسلامية وذلك منذ القرن الحادي عشر الميلادي ، وبمجيء القرن السادس عشر الميلادي ازدهرت حياتها الإسلامية وأصبح حواضر التعليم في القارة في كل من تمبكتو وجنا وسوكوتو في الغرب وهرر وسوفالا وممبسة وزنجبار وزبلع في الشرق، وكانم وبرنو وودّاي وباقرمي في الوسط تجتذب الطلاب من أرجاء القارة ويطوف عليها العلماء من أنحاء العالم الإسلامي، وتوثقت الصلة بين البلاد الإفريقية والحواضر الإسلامية في الحجاز والمغرب ومصر والسودان وتونس وغيرها.
فكان خريجو هذه المراكز الحضارية من المسلمين هم قيادات المجتمعات الإفريقية ومثقفوها الذين تعتمد عليهم الممالك في تسيير شؤونها الداخلية والخارجية وبعون الله سبحانه وتعالى وعلى أيديهم انتشرت دعوة الإسلام وامتد ت تأثيرها الحضاري في أنحاء القارة فصارت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في العديد من الممالك الإسلامية فكتب العديد من هذه الممالك لغاتها بالحرف العربي مثل السواحيلية والصومالية والأمهرية ولغة الهوسا والفولاني والولوف وسنغي وبرامبا (لغة الودّاي) وغيرهم.
ومن اكبر هذه الممالك وأبعدها أثرا في نشر الإسلام وحضارته في إفريقيا جنوب الصحراء هي مملكة ودّاي التي أقامها العالم المجدد عبدالكريم بن جامع في حوالي 1615 وامتدت إلى أن سقطت على يد المحتل الغاشم 1909م .
لذا كان اهتمامي وتركيزي على هذا البحث على هذه المملكة العظيمة . لقد ظلت مملكة ودّاي قائمة على خدمة الحضارة الإسلامية حيث أصبحت من اكبر المراكز الحضارية والدعوية في المنطقة خلال هذه الفترة .
فتحدثت في هذا البحث المتواضع عن مملكة ودّاي الإسلامية 1915-1909م عن موقع المملكة ونشأتها ومدلول كلمة ودّاي وقبائلها ودخول الإسلام إليها والطرق التي سلكها الإسلام ثم من مظاهر الحضارة الإسلامية فيها وأخيرا أسباب تدهورها.
فقد امتدت مملكة ودّاي الإسلامية حوالي ثلاث قرون فظلت متمسكة بالحضارة الإسلامية وقيمها ومبادئها إلى سقوطها على يد المستعمر الأوروبي 1909 الذي عمل جاهداً على طمث هويتها إلا انه فشل في ذلك فظلت المملكة متمسكة بالحضارة الإسلامية .

الموقع:
دار ودّاي عبارة عن منطقة سهلية واسعة تنحدر من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، وتضم جبال منعزلة وبعض السلاسل الجبلية، وتقع معظمها في الشمال الشرقي والجنوب الشرقي من مدينة أبشة، فقد اختلف العديد من الباحثين حول تحديد حدودها في القرن التاسع عشر [1] .
ذكر التونسي [2] بأن مساحتها تساوي مسيرة ثلاثين يوم طولا وأربع وعشرين يوم عرضا. تحدها من الشرق مملكة دارفور ومن الغرب مملكة باقرمي ومن الجنوب أراضي عباد الأصنام (الجناخرة) [3].
وذكر الحارث بان حدود دولة ودّاي ما بين خطي الطول 15 – 23 درجة شرق خط غرينتش وخط 15 – 18 درجة شمال خط الاستواء وحددها نختقال بان تحدها من الشمال الصحراء ومن الجنوب بحر سلامات ومن الشرق مملكة دارفور ومن الغرب بحيرة فتري ، كما ذكر قائلا: بأن محمد وجد والمقدم قيرا تحدثا عن مساحة مملكة ودّاي ، فقال الأول في دائرة المعارف ( أن مملكة ودّاي شرق بحيرة تشاد مساحتها 172 ألف ميل مربع وأرضها خصبة ومياهها غزيرة يسكنها ثلاثة ملايين نسمة كلهم مسلمون إلا القليل ولغتهم زنجية ومحاصيلهم العاج وريش النعام. وحكمهم مطلقاً يحكمون بالدين الإسلامي الشريف [4].
وذكر غوستاف نختقال [5] ( بان يبتدي أراضي ودّاي عند خد الطول 18,30 شرقاً وعلى العرض 13، وتمتد ودّاي لحوالي 4 درجات ، وعلى مستوى خط الطول الذي يمر بأبشة بين خطي الطول 21,20 شرقا يمتد حوالي 3 درجات ونصف ).
أما موقعها بعد الاحتلال الفرنسي لتشاد وتحديد حدودها في الفتـــــــرة ما بين 14/1 – 1898م والى الفترة 31/12/1937م [6] أصبح حدود دولة ودّاي من الشمال والى الجنوب مسافة 700 كلم ومن الشرق وإلى الغرب 350 كلم [7] وتقع مملكة ودّاي في الجزء الشرقي لجمهورية تشاد تحدها من الشمال الإقليـــــــم الشمالـــــــــ ـــــــي (بركو انيدي تبستي) ومن الجنوب إقليم (سلامات) ومن الشرق (جمهورية السودان) ومن الغرب (شاري الأوسط ومديرية قيرا) [8].
كما قال ( إن أراضي ودّاي بمجملها ليست محددة تحديداً واضحاً غير أن مساحتها قد تقدر بحوالي 3000 ميل مربع ( 63000 ميل انجليزي مربع ).

النشأة:
نشأة مملكة ودّاي الحديثة على أنقاض مملكة التنجر الوثنية في عهد ملكهم داوود المربين آخر ملك التنجر [9] .وعندما نرى أن التنجر ليسوا بالوثنيين بل كانوا قليلي التمسك بالدين الإسلامي الحنيف، وذلك لان أصل التنجر ينتمي إلى بني هلال الذين غزوا مراكش في القرن الحادي عشر الميلادي وعادوا بعد ذلك إلى تونس حين استقروا بها [10] .
وفي عهد السلطان داوود المرين جاء الشيخ جامع [11] من جهة غرب السودان ، فقام بدعوة الناس إلى الإسلام وساعده في ذلك زواجه من قبيلة المبا [12] .
فقد تزوج جامع من الوداويات وأنجبت له الوداوية ابنا سماه عبدالكريم وتزوج عبدالكريم بنت ملك التنجر داوود المرين وبذلك قلده الملك عدة مناصب قيادية هامة في المملكة، لكن سرعان ما نشب خلافا بينه وبين الملك لأسباب دينية وسياسية مما أدى ذلك إلى التجأ عبدالكريم والالتفاف حول أهل والدته الوداوية، الذين قاموا بالوقوف معه وتعظيمه والعطف عليه فوجد تأييدا كاملا من قبائل المبا حول أفكاره واتجاهاته بالإضافة إلى القبائل العربية والقبائل الأخرى المضطهدة من قبل الملك داوود المرين [13] .
وبذلك العون والوقوف من قبيلة المبا والقبائل الأخرى معه استطاع أن يستولى على عرش المملكة ويطرد ملكها وملاحقته حتى موته في منطقة فتري [14] ، ومن ثم واصلت أسرة الملك المرحوم سيرها حتى منطقة ماندو [15] .
بعد ذلك استطاع عبدالكريم أن يؤسس مملكته الكبرى المترامية الأطراف في عام 1615م [16]. وتعاقب على عرش المملكة التي أسسها عبدالكريم عشرون ملكا حتى سقوطها على يد المحتلين الغاصبين لأراضي الغير (الفرنسيين) في 1909م، وكان آخر ملك وقت ذلك هو السلطان أصيل بن العقيد المحمود بن السلطان شريف [17] .
اتخذت مملكة ودّاي سابقا (كدمة) عاصمة لها ثم حولت إلى وارة . ومنها إلى مدينة أبشة 1856م في عهد السلطان محمد شريف 1835-1858م .
فقد كانت مملكة ودّاي ضمن إحدى الولايات الأربعة لمملكة كانم وهي الولاية الشرقية لها، وبمرور الزمن تمكنت من الانفصال والتخلي عنها وأصبحت ذات سيادة ونفوذ فاقت بها مملكة كانم، بل استطاعت أن تسيطر على جزء من أراضيها في عهد السلطان جودة 1747 – 195) [18] .

أصل الودّاي:
هناك العديد من الآراء حول تسمية ودّاي، ذكر التونسي[19] بأنهم سناويين أي من قبيلة يقال لها أبو سنون ، وهي أعظم قبائل تلك المنطقة شرقا ورفعة، كما ذكر بأنهم من أصل عباسيين ، لأنه رأي في خاتم السلطان مكتوب فيه (السلطان محمد عبدالكريم بن السلطان صالح العباسي)، وان سلطان الودّاي وسلطان الفور وسلطان كردفان أولاد رجل واحد وصليح وصولون وسليمان إخوان وأنهم من عرب فزارة وكانوا أصحاب ثرة وخير وصلاح ، وقد سكن كل منهم إقليما.
ويقول نختقال[20] : ( قبل زوال النجر بكثير هاجر هذا إلى الإقليم جامع أو أبوه مع أفراد عائلته ، قادمين من الشرق بالرغم من ادعاءات لبعض الباحثين الخاطئة ليس |لأسرة جامع أي رابط يربطها بالقمر المنحدرين من إفريقيا الوسطى إنما هم ينتسبون إلى الجعليين في شندي في وادي النيل شمال الخرطوم الذين ينتسبون إلى صالح بن عبدالله بن عباس، وبالتالي يقولون أنهم عباسيون شان أهالي شندي وأبو حراز ومدينة سنار قبل أن يدخل هؤلاء المهاجرون الذي سني فينا بعد ودّاي كادوا قد قضوا بعد الزمن في المنطقة المعروفة بدارفور واستوطنوا شرقي كوبى في جبال وودا وبعد ذلك في كابكابيا في جبل برقوا وقال نختقال بان حكام مملكة ودّاي الذين يفتخرون بلقب العباسيين لاشك إنهم يستحقونه. وذكر الدكتور محمد صالح أيوب [21] بان الودّاي ينتمون إلى السلالة العربية وذلك بدليل أن من يتعلم العربية منهم يتعلمها بسهولة ويسر وينطقها من غير تحريف ولا عجمة كأنها لغته ولذلك قرؤوا القرآن قراءة صحيحة دون لحن.
ومما يدعم رأي نختقال ومحمد صالح أيوب، الوثيقة التي وقع عليها السلطان إبراهيم محمد عراضا العباسي سلطان دار ودّاي في الفترة ما بين ( 1977 – 2004م) وذكر فيه سلسلة من نسبته إلى الهاشمي بن عبدالمطلب الملحق رقم (1).
ونحن نرى الباحث أن كل الآراء التي وردت حول أصل الودّاي ليس بها خلاف كبير يذكر ، بل جميعهم يؤكدون بانتسابهم إلى العباسيين كما أن اختلاقهم وامتزاجهم وانصهارهم من القبائل الزنجية لم تؤثر على ألسنتهم، بل الأثر في لون بشرتهم مما جعلهم متعددي الألوان منهم السمر والقمحيين، كما يظهر ذلك الأثر في طول قامتهم وقصر شعرهم وغير ذلك.
واصل كلمة ودّاي أطلقها سكان فزان والصحراء، وسكان المنطقة يطلقون عليها دار صليح، والبرنو يطلقون عليها بدار برقو ولكن الاسم الأصلي هو موبا [22] .
ويرى محمد صالح أيوب بان جماعة من الجوامعة والقمر بقيادة زعيمهم الذي يدعى وداعة قدمت إلى هذه المنطقة وظلت فترة من الزمن بين ملوك التنجر واستطاع حفيدهم عبدالكريم أن يقضي على حكم التنجر 1615م وان يؤسس دولة عرفت باسم دار ودّاي بدلا من دار وداعة وبدلا من دار مبا [23] .
كما كانت تعرف بدار صليح نسبة إلى الرجل الصالح الذي جاء إلى دار أبو سنون ونشر الإسلام بين أفرادها من قبائل ملتقا ومدبا ومدلا ونصب سلطانا عليهم [24] .
ويرى أبو نظيفة [25] بان كلمة ودّاي أصلها وضاي أي كثير الوضوء، كما تعني بأنها الرسل الذين يقومون بإرسال الرسائل والمكتبات إلى جبهاتها المطلوبة.
ويعود كثرة الذكر للمسمى الواحد كدار ودّاي، دار صليح، دار برقو، دار مبا دار وادعة، دار مبا، ذلك دلالة على عظمة وقوة ومكانة ورفعة وسيطرة والتحكم في الأمور الخ.
(للموضوع بقية في المشاركة التالية)