الاثنين، 21 ديسمبر 2015

سلطنة الفونج حبشية سودانية وسلطنة دارفور


  1. سلسلة ممالك إسلامية في القارة الإفريقية
    سلطنة الفونج الإسلامية في سنار التي واجهت النصرانية والوثنية
    ونشرت الإسلام بجنوب السودان
    910 - 1236هـ = 1505 - 1820م
    (الحلقة الثامنة)

    اختلف الباحثون في أصل «الفونج»، فقيل إنهم من سلالة عربية أموية هربت من وجه العباسيين، وأنهم جاءوا إلى «الحبشة» أولا ومنها إلى «السودان الشرقى» (النيلى)؛ حيث تصاهروا مع ملوك «السودان»، وظهرت نواة إمارة «الفونج» عقب القضاء على مملكة «دنقلة» المسيحية، وتسرَّب العرب على نطاق واسع إلى مملكة «علوة» المسيحية، واتَّسع نطاق هذه الإمارة غربًا، ووصل إلى أطراف منطقة الجزيرة من الشرق، ثم تمَّ التحالف بين هذه الإمارة النامية في عهد أميرها «عمارة دونقس» (911 - 941هـ= 1505 - 1534م) وبين عرب «القواسمة» الذين ينتمون إلى مجموعة «الكواهلة» في عهد زعيمهم وشيخهم «عبدالله جَمَّاع».

    وقد كان لهذا التحالف نتائج مهمة في تاريخ «سودان وادى النيل»:

    أولها: قضاء الحليفين على مملكة «علوة» المسيحية عام (911هـ= 1505م).
    وثانيها: قيام مملكة «العبد لاب» التي اتَّخذت مدينة «قِرِّى» حاضرة لها، ثم انتقلت منها إلى «حلفاية»، وشاركت «الفونج» في السيطرة على القسم الشمالى من البلاد وامتدَّ ملكهم من مصب «دندر» إلى بلاد «دنقلة».
    وثالثها: قيام مملكة «الفونج» الإسلامية التي كان «عمارة دونقس» أول سلطان لها وامتدت من «النيل الأزرق» إلى «النيل الأبيض». 
    وقد بلغت هذه السلطنة أوج مجدها في عهد السلطان «بادى الثانى أبو دقن» (1052 - 1088هـ = 1642 - 1677م)؛ إذ امتدت رقعتها من «الشلال الثالث» إلى «النيل الأزرق»، ومن «البحر الأحمر» إلى «كردفان»، واستمر توسُّع هذه الدولة طيلة القرن الثامن عشر الميلادى في عهد الملك «بادى الرابع».

    وقد اتخذت سلطنة «الفونج» مظهرًا إسلاميا منذ البداية، فقد استهلت حياتها بالإسهام في حركة الجهاد الإسلامى، وساعدت العرب في القضاء على مملكة «علوة» المسيحية، وبذلك تدفَّق الإسلام في وسط «السودان»، ومنه إلى الجنوب والغرب.


    كما أسهموا في محاربة الوثنيين داخل «السودان» نفسه، فقد حاربوا أهل جبال «النوبا» بسبب غاراتهم على «كردفان»، واستمروا في حربهم زمنًا طويلا حتى انتشر الإسلام في كثير من مناطق هذه الجبال في غربى «السودان».


    كما حارب «الفونج» «الشلك» (أو الشلوك) للغرض نفسه، بل شاركوا في حركة الجهاد الإسلامى ضد الأحباش في القرن الثامن عشر الميلادى فقد قضوا على بعثة فرنسية كانت قد قدمت إلى «الحبشة»، بهدف مساندتها في حربها ضد المسلمين عام (1117هـ= 1705م)، كما اشتبكوا مع الأحباش في عهد الملك «بادى الرابع أبى شلوخ» سنة (1157هـ = 1744م)، وكانت جيوش «الفونج» بقيادة شيخ «قرى» التي كان يتولى إمارتها الشيخ «محمد أبو اللكيلك» كبير الهمج (الهمق)، الذى قضى على دولة «الفونج» فيما بعد، وقد انتصر هؤلاء القواد على جيش «الحبشة»، وكان لانتصارهم هذا دوى هائل في العالم الإسلامى المعاصر في «مصر» و«الشام» و«الحجاز» و«تونس» و«إستانبول» و«الهند».


    ولم يسهم «الفونج» في نشر الإسلام عن طريق الجهاد فحسب، إنما استعانوا بالوسائل السِّلمية التي كانت الأصل في غالب الأحوال وكان لرواد الدعوة الذين وفدوا من «الحجاز» و«المغرب» و«مصر» و«العراق» إلى جانب الدعاة الوطنيين فضل كبير في هذا السبيل فالحج والتجارة بين «الحجاز» و«السودان» كانا من أكبر ماهيَّأ للسودان نشر الدعوة. وكان حجاج «السودان» يشجعون علماء «الحجاز» على الرحلة إلى بلاد «الفونج»، كما أن كثيرًا من السودانيين كانوا يتلقون العلم في «مكة» و«المدينة». أما «المغرب» فكان منبعًا آخر للثقافة الإسلامية. أما «مصر» فكانت علاقة «السودان» بها في ذلك الحين أقل من تلك التي كانت بينه وبين «الحجاز» و«المغرب»، ومع ذلك تطلَّع ملوك «الفونج» إلى «الأزهر» وعلمائه ورحبوا بهم، وكان بعض السودانيين يذهبون إلى «الأزهر» ثم يعودون إلى بلادهم ناشرين الإسلام وثقافته.


    وقد رحل أحدهم وهو الفقيه «محمد الجعلى» إلى منطقة جبال «النوبا» التي تقع جنوب «كردفان» مع مجموعة من الفقهاء؛ للدعوة إلى الإسلام في أوائل القرن السادس عشر الميلادى واستطاع أن يتزوَّج أميرة من البيت الحاكم هناك، فانتقل الحكم إلى ابنه المسمَّى «قيلى أبو جريدة». وقد أسَّس هذا الابن أول أسرة إسلامية حاكمة في جبال «النوبا»، سنة (926هـ = 1520م) عرفت باسم مملكة «تقلى»، وكان هو أول سلاطينها. 


    كذلك كان لسلطنة الفونج وعاصمتها اتصال بدارفور التي كانت تستعين بفقهاء «سنار» في نشر الدعوة، وكان للفونج اتصال أيضًا بالباشا التركى في موانئ «البحر الأحمر» في «سواكن» و«مصوع»؛ حيث كان له وكلاء في «سنار» و«أريجى»، وكذلك اتصلوا باليمن وغيره من الأمصار الإسلامية؛ مما يدل على عمق الروح الإسلامية التي تغلغلت في مملكة «الفونج».


    وتظهر هذه الروح الإسلامية في معاملتهم الحسنة لرجال العلم، وفى احترامهم وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، فرحل إليهم كثير من علماء المناطق النائية، وعاشوا في جوارهم، مما كان له أثر كبير على مسيرة الإسلام في هذه السلطنة.
    المصدر
    الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي
    نقلا عن موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي
  2. #10
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    4,566

    افتراضي رد: سلسلة ممالك إسلامية في القارة الأفريقية


    سلسلة ممالك إسلامية في القارة الإفريقية
    سلطنة دارفور الإسلامية
    849=1292هـ = 1445 - 1875م
    (الحلقة التاسعة)

    بلاد «دارفور» عبارة عن هضبة تنتشر فيها المراعى وتتخللها بعض المرتفعات، ويتألف سكانها من العنصر الزنجى والعنصر الحامى، وكانت هذه البلاد مستقرا لشعب يُسمَّى شعب «الداجو»، وفد عليها من الشرق أو من «جبال النوبا» الواقعة غرب «النيل الأبيض» قبل القرن الثانى عشر الميلادى وأسس فيها مُلكًا.
    وفى القرن الثاني عشر الميلادي دخل هذه البلاد عنصر مغربى من «تونس» يتمثل في «شعب التنجور» أو«عرب التنجور»، وهم عنصر من البربر أو العرب، وقد خالط هؤلاء شعب «الداجو» وصاهروهم، ونتج عن ذلك وجود جنس مختلط يُسمَّى شعب الفور استطاع أن يصل إلى الحكم.
    كان أول السلاطين المولدين من «الداجو» «والتنجور» هو«أحمد المعقور» الذي تزوج من ابنة ملك «دارفور» الوثنى، بعد أن أثبت جدارته في الإشراف على شئون بيت الملك، وقد اتخذه الملك مستشارًا، ولما لم يكن للملك أبناء ذكور، فقد زوج ابنته لأحمد المعقور، وعينه خليفة له، فتأسست بذلك أول سلطنة إسلامية في «دارفور».
    ولقد اقترنت إصلاحات السلطان «أحمد» وأولاده من بعده بنشاط ملحوظ في نشر الدعوة الإسلامية، على أن «دارفور» لم تدخل في الإسلام حقا إلا نتيجة جهود أحد ملوكها وهو«سليمان سولون» الذى وصل إلى الحكم نتيجة لإحدى الهجرات العربية التي وفدت على «دارفور» منحدرة من «وادى النيل» في القرن الخامس عشر الميلادي وأصهر هؤلاء العرب إلى سلاطين «الفور»، كما أصهروا إلى ملوك «النوبة» من قبل.
    وكان «سليمان سولون» وليد هذه المصاهرة، وتمكن من اعتلاء عرش «دارفور» (849 - 881هـ = 1445 - 1476م)، وفتح البلاد للهجرات العربية، فوفدت قبائل «الحبانية» و«الرزيقات» و«المسيرية» و«التعايشة» و«بنى هلبة» و«الزيادية» و«الماهرية» و«المحاميد» و«بنى حسين» وغيرهم، وبفضل هؤلاء العرب المهاجرين إلى «دارفور»، اصطبغت السلطنة بالصبغة الإسلامية الواضحة، وعمد السلطان «سليمان سولون» إلى تنشيط الحركة الإسلامية، عن طريق استدعاء الفقهاء من الشرق ليعلِّموا الناس أصول دينهم، كما شجع التجارة وأسس المساجد والمدارس.
    وبدأت الدولة تتسع، فامتد سلطانها على «كردفان» في عهد السلطان «تيراب» (1768 - 1787م)، وبلغت أقصى اتساعها، فكان حدها من الشمال «بئر النترون» في الصحراء الكبرى، ومن الجنوب «بحر الغزال»، ومن الشرق «نهر النيل»، ومن الغرب منطقة «واداى».
    وقد وصل نفوذ الدولة أقصاه في عهد السلطان «عبدالرحمن الرشيد» (1192 - 1214هـ = 1778 - 1799م)، الذي نقل العاصمة إلى مدينة «الفاشر»، واتصل بالسلطان العثمانى واعترف بسيادته، فمنحه لقب «الرشيد».
    وفى عهد خلفاء «عبدالرحمن الرشيد» كان من الممكن أن تتسع السلطنة إلى آفاق أوسع لولا التوسع المصرى في القرن التاسع عشر الميلادى، ذلك التوسع الذي قضى على هذه السلطنة عام (1292هـ = 1875م) في عهد الخديوى «إسماعيل».

    واصطبغت هذه السلطنة بالصبغة الإسلامية الواضحة؛ حيث عمل سلاطينها على ربط بلادهم بالعالم الإسلامي المعاصر، وتوثقت به صلاتهم الثقافية والدينية، فوصل طلاب «دارفور» إلى «مصر» والتحقوا بالأزهر، حيث أنشئ لهم رواق خاص بهم.


    وكان سلاطين «دارفور» رغم ندرة أخبارهم ينهجون نهجًا إسلاميا، فيلتزمون بأحكام الكتاب والسنة، ويحرصون على تحرى العدل في أحكامهم، كما حرصوا على تشجيع العلماء ومنحهم الهدايا، وعملوا على نشر العلم في بلادهم، ويذكر «التونسى» أخبارًا كثيرة عن العلماء والفقهاء الذين وفدوا على «دارفور» لما وجدوه فيها من تشجيع وعدالة وكرم واحترام.


    ومن مظاهر ارتفاع مكانة العلماء في سلطنة «دارفور» الإسلامية أن مجلس السلطان كان لايتم إلا بحضورهم، وكانوا يجلسون عن يمينه، ويجلس الأشراف وعظماء الناس عن يساره، وعند موت السلطان واختيار سلطان جديد كان هؤلاء العلماء يدخلون ضمن مجلس الشورى الذى ينعقد لهذا الغرض، وإذا حدث تنازع فإنه لايتم حسمه إلا على أيديهم، وكان السلاطين يكثرون من الإنعام عليهم ويقطعونهم الإقطاعات الواسعة حتى يتفرغوا للعلم والدرس، ولم يكن هذا التشجيع وقفًا على السلاطين وحدهم، فقد شارك فيه الأهالى؛ حيث كان سكان القرية يسارعون لمقابلة العلماء الوافدين ويستضيفونهم، كما كانوا يستضيفون الطلبة الغرباء في بيوتهم ويعاملونهم كأبنائهم أو ذوى قرباهم. 


    ومن المظاهر الإسلامية التي وضحت في سلطنة «دارفور» أن سلاطينها كانوا يتلقبون بألقاب إسلامية مثل «أمير المؤمنين»، و«خادم الشريعة»، و«المهدى» و«المنصور بالله»، كما كانوا يحرصون على النسب العربى كعادة الحكام في كل ممالك «السودان»، كما أن أختامهم التي يختمون بها كتبهم ورسائلهم كانت تحمل آية من القرآن، وكانوا يحرصون على إرسال محمل الحرمين الشريفين كل عام إلى «مكة» و«المدينة»، فكانت قافلة المحمل ترسل إلى «مصر» محملة بالبضائع، مثل ريش النعام وسن الفيل والصمغ وغير ذلك من منتجات البلاد، فتباع ويتكون من ثمنها نقود الصرة التي تحملها القافلة المصاحبة لقوافل الحجاج المصريين إلى الأراضى المقدسة، وهكذا نرى أن الحياة الإسلامية كانت زاهرة في سلطنة «دارفور» الإسلامية.


    الطابع الإسلامي والثقافة العربية في سودان وادى النيل:

    يمثل عصر «سلطنة الفونج» في «سنار» أو في «وسط السودان» و«سلطنة دارفور» في «غربى السودان» عصر الازدهار الإسلامي في ذلك الوقت. فقد امتزجت التقاليد الإسلامية الوافدة بالتقاليد المحلية سواء في نظم الحكم أو في الحياة الاجتماعية أو الثقافية، ونشأ لون جديد من الحضارة إسلامى الصورة سودانى الطابع مثلما حدث في «بلاد السودان الغربى» والأوسط (غرب إفريقيا).

    فالفونج عملوا على إقامة الشريعة الإسلامية لكنهم انتهجوا في الحكم نهجًا محليا صرفًا، يتميز باللامركزية الصرفة؛ حيث سمحوا لأمراء المحليين بالاستقلال الذاتى، ولم يكن سلطان سنار يحتفظ بأكثر من تعيين الأمراء أو فرض الإتاوة، وتظهر التقاليد المحلية في طريقة التتويج أو التعيين حين يحضر الأمير إلى «سنار» ويحتفل به السلطان على «الككر» (أى كرسى العرش) ويلبسه طاقية لها ذُؤابتان عن اليمين والشمال محشوتان بالقطن كأنهما قرنان، ويمنحه سيفًا، وهى تقاليد نوبية قديمة، ثم يذهب الأمير بعد انتهاء مراسم التتويج إلى مكان معين في انتظار دابة تخرج من الأرض يتفاءل بخروجها، إلى غير ذلك من التقاليد السودانية.


    والحياة الإسلامية في «دارفور» خضعت لهذا التطور نفسه، فقد تمسك السلاطين بالكتاب والسنة وطبقوا الشريعة الإسلامية تطبيقًا تاما، ولكنهم لم يهملوا التقاليد المحلية التي تمثلت في قانون «دالى»، وهو مجموعة من الأحكام العرفية كان يقوم بتنفيذها حكام الأقاليم والقاضى الأعظم، وهو كبير الخصيان الملقب بأبى شيخ.


    وهذا القانون ينص على وراثة الملك وعلى إقامة الحدود ودفع الغرامات من الأبقار التي يملكونها بكثرة، وكان لهم تقاليد خاصة في جلوس السلطان على كرسى العرش، ففى يده اليمنى صولجان، وفى اليسرى سيف مستقيم، وعلى جنبه الأيسر سيف محدب، وفي الدخول عليه يخلع الداخل الطاقية والسلاح ويلقى بنفسه على الأرض 
    ويحبو على ركبتيه ويديه كالسلحفاة. 

    أما في ميدان الثقافة فلم يكن للسودان ثقافة قديمة، كما كان في «مصر» وبلاد «الشام» و«العراق»، ولذلك كانت ثقافة «السودان» عربية إسلامية خالصة، لكنها تأثرت بعاملين: 

    الأول: ضعف النهضة الإسلامية في هذا العصر عمومًا، وغرق الأمة في الدراسات الصوفية التي انتشرت طرقها في شتى بلدان العالم الإسلامي؛ ولقيت في «السودان» جوا ساعدها على النمو والازدهار.

    فقد شهد «السودان» في هذا العصر كثيرًا من الحروب الداخلية، التي كانت تسيطر على البلاد وتعمل على تمزيقها، بالإضافة إلى أن العرب الذين هاجروا إلى «السودان» كان معظمهم من الفارين من الدول الإسلامية بسبب التقلبات السياسية، وكان هؤلاء قد كرهوا الحياة السياسية، مما ولَّد في نفوسهم ونفوس السودانيين رغبة شديدة في الحياة، بعيدًا عن مزالق السياسة فلبوا دعوة شيوخ الصوفية في ترحاب وحماس شديدين، وانتظموا في الخلايا والزوايا، وكان لذلك أثر كبير في التقريب والربط بين القبائل والأجناس في بلاد «السودان».
    المصدر
    الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي

    نقلا عن موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي

ليست هناك تعليقات: