سلسلة ممالك إسلامية في القارة الإفريقية
سلطنة البلالة الإسلامية في حوض بحيرة تشاد التي واجهت
الاحتلال الصليبي الفرنسي
766 - 1318 هـ =1365 - 1900م
(الحلقة السابعة)
قامت هذه السلطنة في حوض بحيرة «تشاد» (أى: في بلاد السودان الأوسط)، وبالتحديد في حوض بحيرة «فترى»، وإلى الشمال منها حتى بحيرة «تشاد»، وظهرت كدولة يمكن التحقق من تاريخها منذ عام (766هـ = 1365م)، واستمرت حتى بداية القرن العشرين، عندما سقطت المنطقة كلها في يد الاستعمار الفرنسى.
وعلى الرغم من طول مدة بقاء هذه السلطنة، فإن المؤرخين لم يذكروها كثيرًا ولم يهتموا بها؛ لأنها كانت تابعة لسلطنة «الكانم والبرنو» في كثير من فترات حياتها.
ويعود اسم «البلالة» إلى أول زعيم لهم ويدعى «بولال» أو«بلال» أو«جيل» أو«جليل»، ومنه جاء اسم أول زعمائهم وهو«عبدالجليل»، وربما جاء اسم «بلالة» أو«بولالة» من «بولو» الذى كان ابنًا لقبائل «البيوما» التي كانت تسكن منطقة «بيو» (Biyo)، ثم أُضيف إليه المقطع التماشكى (ilalla) فجاء اسم «بولالا» أو«بلالة»، وهى كلمة تعنى الأحرار النبلاء، وربما جاء الاسم أيضًا من اسم ميناء كان ولايزال يقع على الساحل الشرقى لبحيرة «تشاد»، ويسمى «بول» (Bol)، ثم أُضيف إليه المقطع التماشكى، فصار «بولالا» أو«بلالة» كما ينطقه البلاليون أنفسهم في هذه الأيام.
أما أصل قبائل «البلالة» فقد جاء نتيجة اختلاط عناصر متعددة سكنت هذه المنطقة، وهى: البربر والعرب والسودان والزنج، وقد تصاهرت هذه العناصر فيما بينها، فأدَّى ذلك إلى امتزاجهم وتغير في صفاتهم.
وقد كان «البلالة» وثنيين حتى القرن الثانى عشر الميلادى؛ حيث أسلموا عقب إسلام بنى عمومتهم الذين يتمثلون في «الأسرة السيفية الماغومية» الحاكمة في سلطنة «كانم» في القرن الحادى عشر الميلادى.
أما من الناحية السياسية فقد ظهر خطر «البلالة» على سلاطين دولة «كانم» منذ وقت مبكر، رغم صلة القرابة التي تربط بينهما، ويعود ذلك إلى أن «البلالة» كانوا يحاولون التخلُّص من تبعيتهم لأقربائهم من حكام «كانم»، وقد ظهر هذا الخطر منذ عهد أول سلاطين «كانم» الإسلامية وهو الماى (السلطان) «أوم بن عبدالجليل» (1086 - 1097م) الذى حاربهم وانتصر عليهم، فأعلنوا الطاعة والخضوع، وظلوا يتقلبون بين التبعية والتحرر من سلطان «كانم» حتى ظهر زعيمهم الموصوف بالقوة والشجاعة والدهاء وهو«عبدالجليل سيكومامى» الذى حقق لهم الاستقلال التام والتوسع في حدود سلطنته في عام (1365م)، بفضل معاونة العرب الموجودين في هذه المنطقة، واتخذ من مدينة «ماسيو» التي تقع بين «بحيرة فترى» و«كانم» عاصمة له.
ثم حارب مايات كانم وانتصر عليهم، وبذلك وقع إقليم «كانم» بأسره في قبضة «البلالة»، مما جعلهم يحكمون دولة واسعة تمتد من حدود «دارفور» الغربية وبلاد «النوبة» حتى شواطئ «بحيرة تشاد» الشرقية، واضطرت «الأسرة السيفية الماغومية» الحاكمة في «كانم» إلى الهرب إلى إقليم «برنو» الذى يقع في غرب «بحيرة تشاد».
ولكن لم يلبث حكام «برنو» أن استعادوا قوتهم على يد الماى «على جاجى بن دونمه» الملقب بالغازى؛ نظرًا لغزوه إقليم «كانم»، ونشب بينه وبين «البلالة» صراع منذ عام (1472م) في محاولة لاسترداد «كانم» مرة أخرى، واستمر الصراع فترة طويلة انتهى بعقد اتفاقية سلام، اتفقا فيها على رسم الحدود بين «كانم» و«برنو».
وعلى الرغم من ذلك وبمرور الوقت بدأ الضعف يدب في جسد سلطنة«البلالة»؛ بسبب الفتن والاضطرابات والحروب الأهلية، وظهور إمارات جديدة بدأت تُغِير على سلطنة «البلالة»، مثل سلطنة «واداي» التي تقع في الشمال الشرقى لدولة «البلالة»، وسلطنة «باجرمى» التي تقع في جنوبيِّها الغربى.
وعلى الرغم من هذا الضعف فقد ظلت هذه السلطنة قائمة حتى بداية القرن العشرين؛ حيث سقطت في قبضة الاستعمار الفرنسى في عام (1900م)، ومع ذلك حكم بعض سلاطين «البلالة» تحت راية هذا الاستعمار، وظلوا كذلك حتى نالت البلاد استقلالها في عام (1960م) ودخلت بلاد «البلالة» ضمن حدود جمهورية «تشاد» الحديثة منذ ذلك التاريخ.
وقد أدَّت «سلطنة البلالة» دورًا اقتصاديا وعلميا ودينيا مهما في تاريخ المنطقة؛ إذ كانت نظرًا لموقعها بين «دارفور» و«النوبة» في الشرق، و«كانم» و«بحيرة تشاد» وماوراءها من بلاد «الهوسا» و«مالى» في الغرب، و«ليبيا» في الشمال - مركزًا مهما من مراكز التجارة التي تأتى من هذه البلدان مما انعكس أثره على مسيرتها التاريخية، ودَعْم اقتصادها، ورَبَط بينها وبين دول تقع خارج منطقة «بحيرة تشاد»، واتسعت تجارتها حتى وصلت إلى «مصر» وغيرها من البلدان، كما زادت محصولاتها الزراعية.
أما الحياة العلمية: فقد تجلت في المدارس والعلماء والفقهاء والأشراف الذين كانوا يُعامَلُون بكلِّ تبجيلٍ واحترامٍ، كما ظهرت الطرق الصوفية وبخاصة «التيجانية» و«القادرية»، وكان لهذه الطرق أثر كبير في نشر الإسلام في هذه البلدان.
أما اللغات التي كانت منتشرة بين «البلالة»، فهى عديدة، فقد كانوا يتكلمون لغة «كوكا» وهى قبيلة كانت تسكن مملكة «جاوجا» - أحد أقاليم سلطنة البلالة - وكانوا يتكلمون أيضًا اللغة العربية التي كانت لغة العلم والتعليم ولغة الحكومة الرسمية والتجارة والمرإسلات، حتى قضى الاستعمار الفرنسى عليها وعلى استخدام الحروف العربية في الكتابة وحَوَّلَها إلى الكتابة بالحروف اللاتينية، وإن كان كثير من الأهالى - حتى الآن - يحافظون على التحدث والكتابة باللغة العربية، ومعظمهم - أى نحو (85%) - يدينون بالإسلام.
المصدر
الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي
نقلا عن موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق