حقيقة تاريخية يتجاهلها الساسة فى أمريكا وأوروبا: اليهود مدينون للعرب المسلمين بالبقاء
26 مارس 2016
طارق الشيخ
تهافت على استمالة اصوات اليهود وزيادة كراهية العرب
شهدت حملات
الإنتخابات الرئاسية الأمريكية مرحلة جديدة من التبارى بين المتنافسين من
أجل إظهار الميل إلى إسرائيل اليهودية وحماية مصالحها ومستقبلها فى مواجهة
الفلسطينيين والعرب المسلمين.
ولا تعد تلك الحملات شديدة السلبية بالأمر الجديد بل هى مثال حى على
محاولات توظيف والإستفادة من "صناعة" العداء الإسلامى اليهودى والعربى
الإسرائيلى!! ولكن وفى خضم تلك الحملات المغرضة التى تستفيد من الظلام
المطبق الذى يحيط عن قصد أو دون قصد بالعلاقات بين المسلمين واليهود على مر
التاريخ تأتى ومضات لتؤكد فساد "صناعة العداء بين العرب المسلمين واليهود"
على مر التاريخ، بل ولتثبت علميا وبالأدلة والبراهين أن المسلمين هم من
وفروا الحماية الحقيقية للديانة اليهودية واليهود على مدى قرون عديدة.
فعن غير قصد منها عرضت صحيفة "دايلى ميل" البريطانية نتائج أحد
الأبحاث العلمية التى تناولت العلاقات بين أوروبا واليهود فى العصور
الوسطى، وخلص الباحث فيها إلى أن اليهود نجوا من بطش الأوروبيين بفضل الدول
العربية الإسلامية التى فتحت أبوابها لهم وأنقذتهم وأنقذت الديانة
اليهودية من الإندثار على يد أوروبا المتشددة والمتعصبة دينيا فى تلك
الفترة.
فقد تناولت دراسة أجراها الأستاذ لويجى باسكالى، الخبير الاقتصادى فى
جامعة وارويك ببريطانيا وجامعة وبومبيو فابرا فى برشلونة باسبانيا،
العلاقات الإقتصادية والمالية بين اليهود والأوروبيين فى القرن الرابع عشر
وأثر الكراهية الأوروبية لليهود على الجوانب الإقتصادية والمالية فى القارة
الأوروبية وحملات طرد اليهود من جنوب إيطاليا فى عام ١٥٠٣م.
وأوضح باسكالى أن طرد اليهود من أوروبا إرتبط بتحريم الكنيسة فى تلك
الحقبة للمعاملات المالية التى كان يقوم بها اليهود وفى مقدمتها "الربا"
وحصولهم على فائدة مرتفعة دون عمل على القروض التى كانوا يقدمونها
للأوروبيين. كما إرتبط طردهم من نابولى فى جنوب إيطاليا بحكم الإسبان لتلك
المنطقة فى ذلك الوقت. فقد أصدر الاسبان قرار بطرد كل يهودى فى تلك المنطقة
مالم يقم بتغيير ديانته اليهودية إلى الكاثوليكية.
وتضمنت الدراسة عرض خريطة لحركة طرد اليهود من أوروبا على مدى خمسة قرون خلال الفترة من عام ١١٠٠ م وحتى عام ١٦٠٠ ميلادية.
فقد تم طرد اليهود من مناطق شاسعة فى أوروبا وخاصة من اسبانيا بداية
من إنتهاء حكم العرب المسلمين عام ١٤٩٢م حيث تم تخييرهم بين التحول الى
الكاثوليكية أو الحرق فكان الهروب هو الخيار المتاح أمام اليهود.
وكانت "صناعة العداء بين العرب المسلمين واليهود" قد تعرضت للدراسة
والتفنيد على أسس علمية على مدى عقود ودائما ما كانت النتيجة تشير إلى
"فساد تلك الصناعة" حيث أكد التاريخ أن العرب المسلمين هم من وفروا الحماية
لليهود والديانة اليهودية طوال القرون التى شهدت حملات الطرد من أوروبا.
لقد كانت العلاقة بين اليهود والعرب المسلمين موضوعا تناوله موقع"جويش
كونيكل" التابع لأحد أهم الصحف اليهودية وأكثرها تأثيرا. وكتب البروفيسور
ديفيد واسرشتاين، المتخصص فى الدراسات اليهودية بجامعة فاندربيلت بولاية
تينيسى الأمريكية، مقالا فى ذات الموضوع بعنوان :"ماذا قدم المسلمون
لليهود؟"
وكتب واسرشتاين فى مقاله أنه :"فى غضون قرن من وفاة محمد صلى الله
عليه وسلم فى عام ٦٣٢ ميلادية حققت جيوش المسلمين الانتصارات فى العالم كله
تقريبا حيث عاش اليهود، من اسبانيا شرقا عبر شمال أفريقيا والشرق الأوسط
وصولا إلى الحدود الشرقية لإيران ومابعدها. وكان الإسلام يحكم تقريبا كل
اليهود فى العالم. وأدى هذا الوضع الجديد إلى تحويل الوجود اليهودى. لقد
تغيرت ثرواتهم، من الناحية القانونية والديموغرافية والاجتماعية والدينية
والسياسية والجغرافية والاقتصادية واللغوية والثقافية، جميعا نحو الأفضل".
لقد تحسنت الأمور سياسيا. فقد زالت كافة مظاهر التهديد لليهود
واليهودية ـ مثل بابل ـ وأصبح هناك مجال واحد يتسع للجميع المسلمين
والمسيحيين واليهود.
لقد حصل اليهود على إعتراف بهم كطبقة من الدرجة الثانية فى المجتمع
الإسلامى وهو أمر جيد فى ذلك الزمان الذى كانت تتعرض فيه اليهودية للمطاردة
والطمس فى أنحاء كثيرة من أوروبا.
فعلى سبيل المثال كان القوط فى اسبانيا قبل الفتح الإسلامى ينتزعون
الأطفال من أحضان أمهاتهم عنوة ليتم تحويل ديانتهم بالقوة قبل إستعبادهم
فيما بعد!!
بينما كان اليهود فى ظل حكم العرب المسلمين لهم حقوق قانونية وحماية
معترف بها ولم تكن هناك إختلافات كبيرة بين الأقلية اليهودية والغالبية
المسلمة الحاكمة. وحتى المسلمين لم يكونوا يمثلون الأغلبية باسبانيا خلال
القرون الأولى من وجودهم هناك. ورصد كاتب الدراسة كيف عاش اليهود فى بيئة
إحتوت قدرا كبيرا من الحرية الإقتصادية والدينية وكان لهم قدر من التمثيل
الرسمى فى المجتمع وأمام السلطة الحاكمة.
وفى ظل الحضارة الإسلامية كانت حرية الإنتقال والحركة والتعاملات
بكافة مستوياتها مكفولة لليهود لدرجة أن التجار اليهود فى اسبانيا غربا
كانت لهم معاملات مع الهند شرقا.
وعلى المستوى الثقافى ومن فرط البيئة الملائمة التى عاش فيها اليهود
وسط العرب المسلمين أقبل اليهود على تبنى اللغة العربية وإستخدامها على
نطاق واسع. وبحلول القرن العاشر الميلادى بدأت ترجمة التوراة إلى اللغة
العربية وبحلول عام ٩٠٠ ميلادية كانت العربية هى اللغة الأولى لليهود فى
العالم الإسلامى وإن حافظوا على لغتهم العبرية التى كتبوا من خلالها أفضل
الأعمال الشعرية والأدبية فى ثقافتهم.
وأكد كاتب الدراسة أن اليهود عاشوا عصرهم الذهبى الحقيقى فى ظل الحكم
العربى الاسلامى لاسبانيا. كما أكد تلازم موجات صعود وهبوط إزدهار الثقافة
اليهودية مع موجات صعود وهبوط الثقافة العربية فى كل من بغداد والقيروان
والقاهرة. وهكذا أدت الأطماع السياسية والإقتصادية التى تهيمن على البيئة
السياسية الغربية بوجه عام إلى نمو "صناعة الكراهية" بين العرب المسلمين من
جانب واليهود من جانب آخر. ومع الوقت تحول إذكاء الصراع بين الطرفين إلى
تجارة مربحة تدر المليارات وترتبط بها مصالح صناع القرار فى الولايات
المتحدة والعديد من دول أوروبا. وقد آن الآوان لبذل جهود حقيقية للقضاء على
تلك الصناعة الفاسدة والمدمرة للحضارات.